المهاجر........ بقلم الشاعر الكبير وليد ع العايش

( المهاجر )
_______
الرياح في الحديقة القريبة تتلاعب بالأغصان كيفما تشاء  ، منذرة بعاصفة وشيكة  ، الطيور هجعت إلى أعشاشها بحثاً عن مأوى يقيها سطوة البرد القادم  ، اختلس نظرة إلى الزوجة المستكينة بجوار المدفأة  ، ترتدي ثوبا شفافاً أسود اللون  ، منحها مزيداً من الجمال الإلهي  ، تمتم بكلمات لم تفهم معناها  ، عاود رحلة الصمت الرهيب  ، حبات المطر بدأت تطل برؤوسها من النافذة الخشبية المحطمة  ، الرعد يزبد في سماء غضبى  ، ينطلق البرق متجاوزا الأعراف الدبلوماسية ، يخترق كينونة الغرفة المتشحة بالحزن  ، ستارة مهترئة تهتز تحت وطأة أزيز الريح الموجعة ، المياه السماوية تتسرب إلى الداخل ، تبعث صقيعا ساخنة ، حقيبة رمادية تقبع في زاوية ، تنتظر ولوج خيوط الفجر الأولى ، في الزاوية المقابلة طفل مركون لنوم حالم ، إنها ليلتك زوجتي ، قالها بخجل  ، وضع رأسه المتعب على الوسادة المبتلة بحبيبات المطر ، يختلس النظر إليها عسى أن تلتقط أنفاسها ، وتصوب نيران أنوثتها تجاه الفراش الكئيب ، في كل مرة تتلاقى عيونهما ، كانت تشيح صوب تلك النافذة  ، ربما تتأمل منظر المطر !!! ، تعالي إلى هنا حبيبتي  ، قالها بشيء من الرهبة والرغبة ، صمت يتشابك مع دوي انفجارات مبهمة ، تمتمت بحشرجة مأساة ، اختصرت سحر إناث الكون في لحظة واحدة ، استسلم للمشيئة  وادار بظهره إليها  ، قرر أن ينال بعض الراحة ، بينما بدأت تذرف دموعاً لاتشبه الدموع ، الضوء يتسلل كلصوص الظلام  ، قذف وجهه بحفنة ماء جليدية ، امتطت الحقيبة ظهره بأنين خافت ، رمى بضعة كلمات باتجاه الزوجة البائسة ، الثوب الأسود يعاتب بضراوة ،  انحنى صوب الطفل الذي مازال في سباته المقهور  ، لثمه وابتعد  ، عيون تتابع واجفة  ، أمتار كثيرة باتت تتشكل متشابكة مع آهات متحسرة  ، احتضار الزمن الجميل  ، التف حول نفسه  ، ضربته الدموع كسياط جلاد من زمن الكفر الأول ، لحظات حبلى بأشياء قاتمة ، رمى بالحقيبة في مياه موحلة ، عناق حميمي أمام المنزل الطيني ، استيقظ الطفل مبتسماً  ...
_________
( وليد.ع.العايش )

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

احبك.............................. بقلم الشاعر / وسن الدليمي ٢٠١٦ / ٢١ تشرين الثاني